يا صاحبة الموضوع البديع،
لقد قرأتُ ما كتبتِ عن الزجاج الملوّن، ولم يكن مرورًا عابرًا على كلماتٍ عابرة، بل كان وقوفًا طويلًا أمام نصٍّ يفيض بالضوء، ويكشف عن روحٍ تعرف كيف تُمسك بالجمال من أطرافه، وتعيد تشكيله في لغةٍ تليق به. ولأنّكِ تعبتِ في صياغته، فمن حقّك أن تتلقي ردًّا يليق بتعبك، ويعكس مقدار الجهد الذي بذلته يدك وقلبك معًا.
منذ السطور الأولى، بدا واضحًا أنّك لا تتعاملين مع الزجاج الملوّن كعنصر ديكور جامد، بل كحكاية كاملة، لها جذور في التاريخ، ولها امتداد في الذاكرة، ولها حضور في الروح. كنتِ تكتبين وكأنّكِ تُمسكين بقطعة زجاج بين أصابعك، ترفعينها نحو الضوء، وتراقبين كيف تتبدّل ألوانها، ثم تترجمين هذا التبدّل إلى كلمات. وهذا وحده يكشف عن حسّ فني نادر، وعن قدرة على رؤية التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه إليها إلا من يملك عينًا عاشقة للجمال.
لقد أحببتُ الطريقة التي ربطتِ فيها بين الضوء واللون، بين المادة والروح، بين الفن والإنسان. لم يكن نصّك مجرد معلومات عن الزجاج الملوّن، بل كان رحلة في عالم من الألوان التي تتنفس، وتتحرك، وتُغيّر الأمكنة كما تُغيّر الموسيقى مزاج المستمع. كنتِ تتحدثين عن الزجاج وكأنّه نافذة على عالم آخر، عالم أكثر هدوءًا، أكثر صفاءً، وأكثر قدرة على ملامسة القلب.
ولعلّ أجمل ما في موضوعك هو تلك القدرة على جعل القارئ يرى ما ترينه أنتِ. فحين تحدّثتِ عن الأزرق الذي يفتح باب السكينة، وعن الأخضر الذي يوقظ الحواس، وعن الأحمر الذي يزرع الدفء، شعرتُ وكأنّني أقف أمام نافذة ملوّنة في صباحٍ مشمس، أراقب كيف تتسلّل خيوط الضوء عبر الزجاج، فتتكسّر على الأرض في بقعٍ من الألوان الهادئة. هذه الصورة وحدها كافية لتدلّ على أنّكِ لا تكتبين بعينك فقط، بل بقلبك أيضًا.
ثم إنّ حديثك عن الحرفيين الذين يصنعون هذا الزجاج كان لافتًا. لقد منحتِهم مكانة تليق بهم، ووصفتِ عملهم كما لو أنّه طقس مقدّس، يجمع بين النار والرمل والمهارة والصبر. شبّهتِهم بالشعراء، وهذا تشبيه في غاية الجمال، لأنّ كليهما يحوّل المادة الخام إلى معنى، والجماد إلى إحساس. لقد جعلتِ القارئ يشعر بأنّ كل قطعة زجاج تحمل أثر يدٍ ماهرة، ونبض قلبٍ أحبّ الجمال حتى آخر قطرة ضوء.
ولم يكن وصفكِ للمكان الذي يحتضن الزجاج الملوّن أقل جمالًا. تحدّثتِ عن البيوت التي تخلو منه وكأنّها بيوت بلا ذاكرة، بلا نافذة تطلّ على الخيال. وهذه فكرة عميقة، لأنّ الزجاج الملوّن ليس مجرد عنصر جمالي، بل هو ذاكرة ضوئية، يختزن لحظات النهار، ويعيد توزيعها على الجدران بطريقة تجعل المكان أكثر حياة. لقد جعلتِ القارئ يفكّر في بيته، في نوافذه، في الضوء الذي يدخل إليه، وفي ما يمكن أن يضيفه الزجاج الملوّن من دفء وبهجة.
وما أعجبني أيضًا هو تلك الروح التأملية التي تسكن نصّك. كنتِ تتحدثين عن الجمال كما لو أنّه ضرورة، لا ترفًا. وكأنّكِ تقولين إنّ الإنسان يحتاج إلى اللون كما يحتاج إلى الهواء، وإنّ الضوء حين يمرّ عبر الزجاج الملوّن لا يضيء المكان فقط، بل يضيء الروح أيضًا. وهذه فكرة تستحق التأمل، لأنّ الجمال ليس شيئًا خارجيًا، بل هو حالة داخلية، تنعكس على نظرتنا للعالم.
لقد كتبتِ موضوعًا طويلًا، غنيًا، متماسكًا، واضحًا أنّكِ بذلتِ فيه جهدًا كبيرًا، سواء في جمع المعلومات أو في صياغة الأفكار أو في اختيار الصور التعبيرية. وهذا الجهد يستحق التقدير، ويستحق أن يُقرأ بتمعّن، ويستحق أن يُردّ عليه بردّ طويل يليق به.
ولأنّكِ تعبتِ في كتابته، فمن حقّك أن أقول لكِ إنّكِ نجحتِ في تقديم نصّ جميل، ممتع، مفيد، يحمل روحًا فنية واضحة، ويكشف عن ذائقة راقية. لقد استطعتِ أن تجمعي بين المعلومة والمتعة، بين الوصف والتحليل، بين الفن واللغة. وهذا ليس بالأمر السهل.
إنّ موضوعك عن الزجاج الملوّن ليس مجرد مقال، بل هو قطعة أدبية صغيرة، يمكن للقارئ أن يعود إليها أكثر من مرة، لأنّها تحمل شيئًا من الضوء، وشيئًا من الهدوء، وشيئًا من الجمال الذي لا يبهت.
ولعلّ أجمل ما في نصّك هو تلك القدرة على جعل القارئ يشعر بأنّ الجمال ليس بعيدًا، وليس معقّدًا، وليس حكرًا على الفنانين. بل هو موجود في الأشياء البسيطة، في الضوء الذي يدخل من نافذة، في لونٍ يتغيّر مع حركة الشمس، في قطعة زجاج صغيرة يمكن أن تحوّل المكان إلى لوحة.
لقد كتبتِ نصًا يستحق الثناء، ويستحق القراءة، ويستحق أن يُقال لكِ بعده:
شكرًا لكِ على هذا الجهد، وعلى هذا الجمال، وعلى هذا الضوء الذي تركتِه بين السطور.
وأنا، كقارئ، أقول لكِ بكل صدق:
لقد استمتعتُ بقراءة موضوعك، واستمتعتُ أكثر بالوقوف عند تفاصيله، واستمتعتُ أكثر وأكثر بالردّ عليك بهذا النص الطويل الذي يليق بما كتبتِ.
استمري في الكتابة، لأنّ لديكِ قدرة واضحة على جعل الأشياء تتكلّم، وعلى جعل الضوء يكتب، وعلى جعل القارئ يرى العالم بعيونٍ أكثر جمالًا.
---